تغيب شبكات الصرف الصحي عن قضاء الأزرق الواقع شرقي الأردنّ، في حين تعتمد كلّ المنازل والصناعات على الحفر الامتصاصية للتخلص من المياه العادمة، ممّا يؤثّر بصورة سلبيّة على البيئة والصحّة بشكل عام، وعلى حوض الأزرق المائي بشكل خاصّ.
يعتمد أهالي الأزرق على صهاريج النضح الخاصه والتابعه للبلدية لتفريغ حفرهم الامتصاصية مقابل تكلفة مادية لا تتجاوز الخمسة عشر دينارا. وعلى الرغم من أنّه ليس الحلّ الأمثل، إلاّ أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في تخلّف بعض أصحاب الصهاريج عن اللجوءللمكبّات القانونية كونها بعيدة معللين ذلك بأنها تشكل عبئا ماديا يتجاوز ما يتقاضونه من الاهالي لقاء خدمتهم. هذا ويلجئ أصحاب الصهاريج الى الاستعاضة عن الاماكن القانونية بأماكن غير مشروعه لتفريغ حمولتهمدون الاكتراث لكون هذه الأماكن قد تكون قريبة من الأماكن السكنيّة وقد تشكل خطرا بيئيا وصحيا.
© • •
Al Azraq Wetland Reserve, Al Azraq
الروائح الكريهة، والأمراض، والمخاطر الصحيّة الناتجة عن إهمال أصحاب الصهاريج، أثارت حفيظة الكثير من الأهالي، الذين بدورهم قدّموا عدّة شكاوى للجهات الرسميّة، ولكن دون جدوى تذكر على أرض الواقع، على حدّ تعبيرهم.
في هذا الإطار، تشكو أم عصام،إحدى المتضرّرات من عمليات طرح مياه الصرف الصحي بشكل عشوائي، من تردّي الأحوال البيئية في منطقتها. وتلقي باللوم، في المقام الأول، على أصحاب صهاريج نضح مياه الصرف الصحي وأهالي المنطقة الذين يستعينون بهم للتخلّص من مياه الصرف الصحي، على الرغم من علمهم التامّ بالأماكن التي يطرح فيها أصحاب الصهاريج حمولاتهم.
في هذا تقول:"قدمنا شكاوى كثيرة وما في مين يسمع، أصحاب الصهاريج بيرموا مياه الصرف الصحي في أماكن مأهولة حتى يوفروا مصاري، والحقّ على الناس كمان اللي بيتعاملوا معهم وبتعرف انو بضرونا في صحتنا، بدنا حل!".
ولا تعفي أم عصام الجهات الرسمية من تقصيرها في ايجاد الحلول لهذه "الكارثة البيئية والصحية" على حدّ وصفها، وتقول إنّها وعائلتها لا يستطيعون تحمّل كلفة العيش في مكان آخر.
أمّا الأربعيني، فيصل ابراهيم، الذي يشارك أم عصام المعاناة نفسها،كان أفضل حالاً، واستطاع أن يبني لنفسه وعائلته بيتاً جديداً، في منطقة بعيدة نسبياً عن برك مياه الصرف الصحي، لأنّ بيته القديم أصبح يشكّل خطراً صحّياً على حياة أسرته نظراً لقربه من البرك العادمة.
يعود سبب هجر ابراهيم لمنزله، أيضاً لكون مياه الصرف الصحي تطرح في مناطق غير مخصصة أساسا لطرح المياه العادمة، وتصادف على مقربة من منزله، في ظلّ غياب المحاسبة وضبط المخالفين. يقول ابراهيم:"درست موقع منطقة بناء البيت الجديد بشكل كامل، المهم انو بعيد عن البرك، لكن المشكلة انو بعد فترة يبلشوا يصلوا لهون ويكبوا مياه المجاري جنب البيت الجديد، أنا مو عارف شو لازم اعمل! انا صرت مقدّم شكاوي للبلدية عشان يضبطوا المخالفين، بس اسبوعين زمن بردوا برجعوا يرموا المي هون.".ويوضح ابراهيم أنّ عمليات طرح مياه الصرف الصحي في المناطق غير المخصصة لذلك، يتمّ في ساعات متأخرة من اللّيل.
نقمة الأهالي مبرّرة، نظراً لما ينتج عن عدم المعالجة المباشرة لمياه الصرف الصحي من انتشار الميكروبات والأمراض الصدرية مثل الربو وأمراض جلدية أخرى يعاني منها العديد من الصغار والكبار في منطقة الأزرق الشمالي.فتأثيرها السلبي على صحة الإنسان يصل الى حدّ زيادة احتمالية إصابته بالأمراض المستعصية.
والبكتيريا الموجودة في مياه الصرف الصحي العديد من الأمراض كالتهاب الأمعاء، وتقرحات الأمعاء الدقيقة، والكوليرا، والتيفوئيد، وأمراض الجهاز التنفسي، والحمى، واليرقان.
ويشرح الطبيب، بهاء الوادي، المقيم في الأزرق، أنّ السبب الرئيسي لتفاقم حالات مصابي الربو والأمراض الجلدية الأخرى هو الأتربة، والغبار المتطاير، والحشرات، والقوارض المنتشرة في المنطقة، بسبب برك الصرف الصحي غير المعالج، علماً أنّ الصغار هم الفئة الأكثر تضرّراً.ويتابع قائلاً: "تتفاوت درجة الحساسيّة من مصاب لآخر في المنطقة، وبالتالي فإنّ مصابي الربو وبعض الامراض الجلدية لا يعانون بالضرورة من هذه المشاكل الصحية بالدرجة ذاتها.".
"سائد" الذي لم يتجاوز الثالثة عشر عاماً، هو واحد من مئات الأطفال الذين يعانون من ويلات "المكاره الصحية" لبرك مياه الصرف الصحي غير الخاضعة للمعالجة البيئية الحديثة في منطقة الأزرق الشمالي، والتي تضمّ 6 مناطق يصل عدد سكانها الى حوالى 9887 نسمة، حسب إحصاء 2018.
ففي صبيحة كلّ يوم دوام مدرسي يقطع الطفل "سائد" مسافة كيلو متر تقريباً للوصول الى مدرسته، وفي طريقه الى هناك يغلق أنفهبيديه كلّما مرّ ببرك المياه للصرف الصحي. ويقول:"كل يوم بمشي وانا حاط ايدي على أنفي من الريحة، وفي الصيف ما بقدر امشي من هون أبداً. أنا وأصحابي بنشوف حشرات غريبة وأكيد بتنقل النا أمراض، لأنو في اطفال كثير هون عندهم مشاكل جلدية وتنفسية."
وتظهر آثار الأضرار الصحية والبيئية الناجمة عن عدم معالجة المياه بشكل واضح على معظم السكان ومحيطهم في منطقة الأزرق الشمالي القريبة من برك طرح مياه الصرف الصحي، وفق الشهادات التي جمعناها في هذا التقرير.
من الواضح أنّ هذه المشكلة لا تقع على عاتق شخص أو جهة معيّنة، فأخطاء المعالجة تبدأ من اللحظة التي تخرج فيها من منازل الأفراد وصولا لمرحلة معالجتها النهائية.فمياه الصرف الصحي تتكّون بشكل تقريبي من 99% من المياه، و1% من المواد العضوية وغير العضوية على شكل مواد ذائبة وعالقة، وتشمل معالجتها مجموعة من العمليات الطبيعية والكيميائية التي يتم فيها إزالة المواد الصلبة والعضوية والكائنات الدقيقة أو تقليلها إلى درجة مقبولة. وقد يشمل ذلك، إزالة بعض العناصر الغذائية ذات التركيزات العالية مثل الفوسفوروالنيتروجين في تلك المياه ويمكن تقسيم تلك العمليات حسب درجة المعالجة إلى عمليات تمهيدية وأولية، وثانوية، ومتقدمة، وتأتي عملية التطهير للقضاء على الأحياء الدقيقة في نهاية مراحل المعالجة.
وبالتالي، يكون المسؤول الأول عن تصريفها المواطن نفسه، لتنتقل بعدها الى عهدة البلدية المسؤولة عن تأمين العملية وسيرها بشكل سليم.
لكنّ البلدية تشكو من عدم مقدرتها على التعامل مع ملف معالجة مياه الصرف الصحي بسبب قصور الموازنة المالية المتاحة لها، إذ يذهب جلّ الموازنة الى قطاعات أخرى كالتعليم، والصحة، وخدمات بنية تحتية مثل تعبيد الشوارع، والإنارة والكهرباء، بحسب رئيس بلدية الأزرق السيد مروان اسعيد.
يقول اسعيد:"احنا بنعتمد على المشاريع الممولة من دول مانحة ومنظمات دولية، حتى نقدر نتعامل مع ملف معالجة مياه الصرف الصحي، وفي المستقبل القريب هناك عدة مشاريع راح يتم تنفيذها لمعالجة المياه العادمة في منطقة الأزرق،" مطالباً، في الوقت نفسه، بضرورة رفع موازنة المجلس البلدي من قبل الحكومة للمواجهة المشاكل البيئية التي تهدّد المنطقة بشكل عام.
من هنا يبرز دور الجهات الرسميةالداعة، حيث تقوم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون(SDC) تحت رعاية وزارة المياه والري بتمويل مشروع "حلول الصرف الصحي للمجتمعات غير المخدومة في الأردن والذي يمتد لمدة عشر سنوات. حظي الازرق بالمرحلة الاولى من مراحل هذا البرنامج ، حيث تقوم مجموعة من الشركاء، ممثلة بائتلاف منظمة بوردا(BORDA) وشركة سيكون (seecon) بتنفيذ مشروع يمتد لثلاث سنوات (2019-2021) تحت اسم "الحلول المبتكرة للصرف الصحي وإعادة الاستخدام في المناطق الجافة – إصرار" والذي يهدف لإيجاد حلول لمياه الصرف الصحي في المجتمعات غير المخدومة والرفع من كفاءة خدمات ومرفقات الصرف الصحي، وعليه تم اختيار قضاء الأزرق لتنفيذ أنشطة المشروع .
أشار مدير عام شركة مياهنا بالزرقاء، المهندس جريس دبابنة الى أن عمليات معالجة مياه الصرف الصحي التمهيدية والأولية وصولاً الى الثانوية في مراحل أخرى هي ما تحتاجه منطقة الأزرق الشمالي وقضاء الأزرق بشكل عام للتخلّص من المشاكل البيئية والصحية وتوفير مياه صالحة للزراعة، مؤكداً في الوقت نفسه، على ضرورة نشر التوعية بين سكان المنطقة في الوقت الراهن للتعامل مع موضوع التخلص من مياه الصرف الصحي كأولوية وبصورة تتوافق مع الأنظمة والقوانين من خلال مراعاة الجوانب البيئية والصحية الى حين البدء بمشاريع حقيقية لمعالجة مياه الصرف الصحي، حيث أن هذه المشاريع مكلفة جداً وبحاجة الى تمويل ضخم، بحسب وصفه.
ولكن حتى الإنتهاء من مشروع "اصرار" أو البدء بتنفيذه بالدرجة الأولى، ستبقى المشكلة الصحية والبيئية لأهالي منطقة الأزرق الشمالي على حالها دون توفر حلول سريعة وملموسة جراء عدم معالجة مياه الصرف الصحي وطرح المياه العادمة بصورة غير قانونية في أماكن بالقرب من تجمعات سكانية.
Share this page on